Estimated reading time: 25 minute(s)
الأحساء – خاص
لم تغب الأحساء عن عناية واهتمام قادة المملكة منذ أن حرّرها الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود–طيب الله ثراه- من الحكم العثماني وخلّص أهلها من فوضى المتصرف التركي وبايعه أهالي الأحساء داخل منزل الشيخ عبداللطيف الملا (منزل البيعة) في 28 جمادى الأولى عام 1331هـ/6 مايو 1913م، في إطار كفاح مسلح زادت مدته على 30 عامًا من أجل توحيد المملكة في 23 سبتمبر عام 1932م، حيث حظيت الأحساء طوال عهد الدولة السعودية الثالثة بزيارات ملكية لم تنقطع بداية من عهد الملك عبدالعزيز –رحمه الله- وحتى عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، فكان لتلك الزيارات أثرها البالغ في تسارع المشروعات التنموية العملاقة على أرض الواحة كجزء مهم من نهضة المملكة.
المؤسس والأحساء.. زيارات لا تنقطع
ظهر ذلك الاهتمام بالأحساء جليًا في زيارات الملك المؤسس المتكررة، والتي كانت تصل إلى نحو ثلاث مرات في السنة الواحدة، فسجلت للملك عبدالعزيز زيارات عدة قبل تأسيس الدولة السعودية الثالثة وبعده؛ لعل من أبرزها تلك الزيارة التي جرت في 1915م، وشهدت توقيع الملك عبدالعزيز وممثل الحكومة البريطانية المعاهدة الشهيرة التي عرفت بـ”معاهدة العقير” في ميناء العقير التاريخي شرق الأحساء، واعترف بموجبها الإنجليز بتبعية نجد والأحساء والقطيف والجبيل لحكم الملك عبدالعزيز، أيضًا زيارته –رحمه الله- الهفوف عام 1936م والتي تضمنت لقاءه فريد دافيس رئيس مجلس إدارة شركة الزيت العربية الأمريكية وفيلكس دريفوس، وتحدث معهما طويلًا حول تطور أعمال الشركة ونتائج التنقيب، وكانت آخر تلك الزيارات في 1367هـ وفي تلك السنة جاء –رحمه الله- للاستشفاء في مياه عين نجم الحارة بمدينة المبرز شمال الأحساء.

وفي إطار عناية الملك عبدالعزيز بالأحساء عمل على تنمية المحافظة اقتصاديًا وتعليمًا؛ فطوّر ميناء العقير واستخدمه مقرًّا لمقابلة الموفدين البريطانيين، واتخذه كذلك مقرًّا للمفاوضات مع الحكومة البريطانية، وأنشئت فيه الجمارك والجوازات ومبنى الخان ومبنى الإمارة والحصن والمسجد وعين الماء وبرج أبو زهمول؛ ليصبح العقير شريان الحياة لوسط الجزيرة العربية وشرقها، والبوابة الاقتصادية للدولة السعودية الناشئة.

كما أعطى الملك عبدالعزيز التعليم اهتمامًا بالغًا، ففي زيارته التي قام بها -رحمه الله- عام 1931م، تفقّد أحوال المدرسة الأميرية، فأعجب بها وأمر آنذاك نجله الأمير فيصل بتأسيس المدرسة وفتحها لتكون نقطة انطلاق التعليم في الأحساء والمنطقة الشرقية كافة، وقد تغير اسم المدرسة لاحقًا من الأميرية إلى مدرسة الأحساء الأولى ثم مدرسة الهفوف، في حين أطلقت عليها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالأحساء أخيرًا اسم “بيت الثقافة”.
الأحساء في مقدمة جولات الملك سعود
قامت سياسة الملك سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- على تفقّد أحوال رعيته في مختلف مناطق المملكة، حيث كان يرى أن من أقدس واجباته الطواف بأنحاء البلاد قطرًا قطرًا، وقرية قرية، وقبيلة قبيلة؛ ليسمع بأذنه ويرى بعينه ويلمس بيديه أمانيهم وآمالهم ويتعرّف على حاجاتهم عن كثب، ولأهمية المنطقة الشرقية وفي القلب منها الأحساء؛ استهل الملك سعود بها رحلاته الواسعة إلى أنحاء المملكة، حيث زار الهفوف في ربيع الآخر عام 1374هـ، ولمدة أربعة أيام شهدت احتفال الأهالي به في عين نجم.

وتعدّدت بعدها زيارات الملك سعود للأحساء فوصلت إلى ست زيارات أخرى؛ التقى فيها مع العلماء والمواطنين، وافتتاح بعض المشاريع التنموية، حيث عاد إليها في شهر ربيع الآخر سنة 1375 هـ، كما زارها في شهر ربيع الآخر سنة 1377 هـ وتفقّد المعهد العلمي في الأحساء، كذلك زار –رحمه الله- واحة الأحساء في شهر شوال سنة 1378 هـ، وفي شهر جمادى الأولى سنة 1379 هـ وحضر وقتها مباراة لكرة القدم، وفي شهر ذي القعدة من عام 1379 هـ، وكانت آخر زيارة في شهر ذي القعدة سنة 1381 هـ، وافتتح خلال هذه الزيارة التاريخية مصنع الأسمنت بالأحساء.


الملك فيصل وانطلاقة “ري الأحساء”
انتبه الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- مبكرًا إلى المشروعات الزراعية والري فأنشأ شبكة الصرف ومشروع الرمال في الأحساء، كما اعتنى بالتعليم بإنشاء المدارس الصناعية والمعاهد الفنية في مدينة الهفوف ومركز التدريب المهني، وذلك في زيارته التي قام بها عام 1394هـ، إلى جانب تأسيس جامعة الملك فيصل عام 1395هـ.

وقد سجلت الأحساء زيارتين ملكيتين للملك فيصل بن عبدالعزيز (رحمه الله) الأولى في عام 1384هـ ضمن زيارة تاريخية إلى المنطقة الشرقية، والثانية في شهر شوال 1391، حيث زار الملك فيصل محافظة الأحساء، وافتتح فيها مشروع محطة الري والصرف في الأحساء، الذي تجاوزت تكاليفه وقتها 241 مليون ريال؛ بهدف القيام بأعمال إدارة وتشغيل وصيانة الري والصرف بالواحة، وتطورت المحطة في 1439هـ بموجب قرار من مجلس الوزراء لتصبح “المؤسسة العامة للري” وتولّت إدارة نشاط الري في عموم المملكة.

الملك خالد.. التعليم والصحة أولوية
اهتم الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- بمتابعة أحوال الأحساء والوقوف عن كثب على احتياجات أبنائها ولاسيّما في الجانبين الصحي والتعليمي، فزارها في جمادى الآخرة عام 1397هـ وافتتح خلال تلك الزيارة جامعة الملك فيصل في مدينة الهفوف، والتي ضمت حينها أربع كليات هي كلية الطب، وكلية الطب البيطري والثروة الحيوانية، وكلية العلوم الزراعية والأغذية، وكلية العمارة والتخطيط، أيضًا زار -رحمه الله- الأحساء في 1401هـ؛ لافتتاح مستشفى الأحساء والمعروف الآن باسم “مستشفى الملك فهد”، وأقام له الأهالي حينها دعوة كبيرة في مشروع الري والصرف، الذي افتتحه الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز، كذلك زار الملك الراحل المحافظة في شهر مايو عام 1982 لتفقد المشروعات التنموية بها، حيث قدم إلى الهفوف من الرياض برًا ومنها إلى الدمام.
زيارات الملك فهد لواحة التمور
حرص الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- على استمرار التطوير ومسيرة التنمية في واحة الأحساء، فزارها مرات عدة وافتتح فيها مشروعات حيوية من بينها زيارته –رحمه الله- للمحافظة عام 1404 هـ والتي شهدت افتتاحه أكبر مصنع من نوعه لتعبئة التمور في الأحساء بطاقة إنتاجية (500) طن يوميًا، وتحديدًا في 23 من شهر جمادى الآخرة، وكذلك تشريفه لجامعة الملك فيصل في اليوم السابق لافتتاح المصنع، كما عاد –رحمه الله- وزار محافظة الأحساء مرة أخرى في 1406هـ، والتقى خلالها الأهالي في حفل بهيج.


الملك عبدالله.. رعاية خاصة ومشروعات حيوية
اتسمت زيارات الملك عبدالله بن عبدالعزيز (رحمه الله) برعايته وتدشينه للكثير من المشاريع التنموية والخدمية في محافظة الأحساء، منذ كان وليًا للعهد، حيث تفقده –رحمه الله- أحوال المواطنين وتلمّسه احتياجاتهم ووقوفه على جميع مستجدات الواحة ومشروعاتها، ففي عام 1999 زار الواحة وهو ولي للعهد ووضع حجر الأساس لمصنع الأحساء للنسيج، الذي عدّ الأول من نوعه في المملكة بتكلفة 160 مليون ريال، كذلك وضع حجر الأساس لمشروع نقل المياه المحلاة من الخبر إلى بقيق والأحساء وبلغت تكلفته حينها 500 مليون ريال، واختتم الزيارة بوضع حجر الأساس لمدينة الملك عبدالله العسكرية في الأحساء والتي تقع على مساحة 30 مليون متر مربع.

وشهد شهر أكتوبر من عام 2002 زيارة ثانية للملك عبدالله بن عبدالعزيز -وكان لا يزال وليًا للعهد- إلى الأحساء، افتتح خلالها مستشفى الأحساء، ومصنع الأقمشة الذي وضع له حجر الأساس في زيارته السابقة، ومشروع غاز الحوية جنوب الأحساء، وعدّ حينها أول معمل متخصص لمعالجة الغاز غير المرافق للزيت من آبار الغاز العميقة، وتبعها –رحمه الله- بزيارة ثالثة عام 2004 للمنطقة افتتح فيها مشروع نقل المياه المحلاة من محطة التحلية وتوليد الطاقة في الخبر إلى محافظتي الأحساء وبقيق، كذلك افتتح في العام ذاته مشروع تطوير الغاز الطبيعي والزيت في حرض التابع لأرامكو السعودية.
وفي عام 2006 وخلال زيارة للمنطقة الشرقية بعد عام من توليه مقاليد الحكم، شرّف الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز حفل أهالي محافظة الأحساء احتفاء بزيارته، وذلك في مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية بالهفوف، وقام بوضع حجر الأساس لمشاريع المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني في المنطقة الشرقية (عدل اسمها في 2007 إلى المؤسسة العامة للتدريب التقنية والمهني)، بقيمة ملياري ريال تقريبًا ومن بينها الكلية التقنية بالأحساء، ومعاهد تدريب مهني، وفي عام 2009 زار –رحمه الله- محافظة الأحساء أيضًا والتقى جموعًا من المسؤولين والأهالي في قصر هجر.

سلمان الخير يشرف الواحة
استمر اهتمام قادة المملكة بواحة الأحساء حتى العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز –حفظه الله-، الذي أولى الأحساء عناية فائقة فحقّقت في عهده طفرات تنموية رائدة، ووصلت إلى العالمية في 2018 مع تسجيل موقع واحة الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي باليونسكو، في فرع التراث الثقافي، كخامس موقع سعودي يضم للقائمة، واختيرت الأحساء عاصمةً للسياحة العربية لعام 2019.
وقد شرّف الملك سلمان –حفظه الله- في عام 2016 الأحساء، حيث استقبله أهالي المحافظة بكل حفاوة في قصر هجر، ووضع خلال الزيارة حجر الأساس لمشاريع سكنية ضخمة من بينها مشروع بحيرة الأصفر الذي يوفّر 100 ألف وحدة سكنية ومجمعات سياحية ومراكز تجارية، كذلك دشّن -حفظه الله- المدينة الجامعية لجامعة الملك فيصل بالأحساء، بتكلفة إجمالية بلغت نحو 11 مليار ريال، إلى جانب مشروعات نفطية مثل مشروع تطوير الإنتاج في حقل خريص للزيت الخام، والذي انضم بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى التسعين لليوم الوطني إلى مرافق التصنيع الرائدة على مستوى العالم في تطبيق تقنيات الثورة الصناعية الرابعة بإدراجه ضمن قائمة “المنارات الصناعية” العالمية.


التعليقات مغلقة.