Estimated reading time: 8 minute(s)
كتب للأحساء اليوم: صالح بن سلمان العيسى
الموروث الشعبي (العادات والتقاليد)
– القيم الاجتماعية والمفاهيم الأخلاقية في الحارة:
كانت مظاهر العلاقات الأخوية بين الجيران في الزمن الجميل؛ زمن الآباء والأجداد يسودها الوئام، والانسجام، والتكافل، والتكاتف، والتواد، والتراحم، عاشوا على الحلوة والمُرّة، في السرّاء والضرّاء، وفي الشدّة والرخاء، وارتبطوا فيما بينهم بأواصر الألفة والمحبة، والوفاء والإخلاص، والإيمان بأهمية الجار، والإحسان إليه، والذود عنه.
– ومن أبرز مظاهر العلاقات الأخوية بين الجيران في حارتنا كرم: استعارة بعض لوازم المطبخ؛ فقد كانت منتشرة بشكل كبير بين الجيران، كالأواني المنزلية، ولوازم الطبخ (كالأرز والطحين والخضار بأنواعه)، فلم يكن بمقدور رب البيت تأمين كل اللوازم التي يحتاجونها في المطبخ، فكان الناس قديمًا يستعيرونها من جيرانهم؛ بسبب نقص الأرزاق وصعوبة الحصول عليها وقت الحاجة فيقضيها من جاره، وهي ظاهرة اجتماعية أدت إلى تكافل المجتمع لبعضه وشعوره بالمسؤولية نحو جيرانه.
– هناك روابط شبه دائمة بين الجيران؛ نظرًا لقرب البيوت وتلاصقها فيما مضى فقد كانت الأبواب متقاربة جدًا، وشبه مفتوحة والصغار يختلطون ببعضهم طول النهار بفرح وسرور، والنساء يقمن بزيارة جاراتهن على الدوام ويتفقّدن أحوالهن، كما كان الجار يبادر إلى دعوة جاره إذا كانت لديه مناسبة عائلية، حيث يكون الجار على رأس الحضور.
– والمتأمل في حال جيران الأمس في الحي الواحد؛ يجد بينهم ترابطًا قويًا تسوده: المحبة، والإخاء، والتسامح، والتراحم، الأمر الذي أدى إلى التلاحم بينهم.
وهذا الحال السائد قديمًا شابته رياح التغيير، التي عصفت بكل جميل في حياتنا اليومية، وذلك نتيجة إيقاع الحياة المتسارع الذي شهده العصر الحديث.
– ومن جملة السلوكيات الرائعة والتي تدل على الشهامة: فتح الرجال مجالسهم للجار في المناسبات سواء في: الأفراح أو الأتراح، فمن كان بيته ضيقًا، وليس به متسع فيعينه جاره ويفتح له بيته، ويساعده على أمور الضيافة.
عاش الجيران قديمًا في شظف من العيش، وقلّة ذات اليد، لكنهم مع ذلك لم ينس بعضهم بعضًا، هكذا كان جار الأمس، جار المبادئ الخالدة، والقيم السامية، جار الفزعة والإيثار، جار الزمن الماضي الجميل؛ زمن الآباء والأجداد ممتثلًا لتعاليم ديننا الإسلامي، الذي يحرص على تحقيق روح المودة والإخاء بين الجيران.
– المسحراتي أو أبوطبيلة:
ومن الأهمية القصوى ذكر دور المسحراتي والذي يشكل جزءًا من تراث الأحساء العريق.
وعلى الرغم من أن هذه المهنة تقاوم الإندثار، عامًا بعد آخر، إلا أنها تظل باقية في أذهان الكبار، ومحببة لدى الصغار.
فقديمًا يعتمد الناس في شهر رمضان المبارك على المسحراتي، ومهمته تنبيه أهالي الحارة بوقت السحور، والمسحراتي رجل يترأس فرقة، ويحمل كل واحد منهم طبلًا، وكانوا يقرعون طبولهم، ويمرون على سكك الحارة، واعتاد المسحراتي بذكر عبارة دينية تذكرهم بتقوى الله، وتدعوهم إلى التخلي عن النوم، والاستيقاظ لتناول السحور، وكان يكرر العبارة التالية “أصحى يانايم ووحد الدايم” وبصوت جهوري. ولكل حارة مسحراتي خاص بها، وكان عبدالله أبوخضراء وفرقته المخصصين لحارة المقابل. تبقى مهنة المسحراتي أو “أبوطبيلة” من أقدم العادات والتقاليد الرمضانية، التي اعتاد عليها الناس في الأحساء، فتجدهم يحافظون على طابعه القديم المتعارف عليه.
أطال الله عمر من بقي، ولمن رحل نسأل الله لهم الرحمة، والمغفرة، وأن يجزل لهم المثوبة والأجر، وللحديث عن حارتنا الجميلة بقية بمشيئة الله تعالى.
سلمت يداك استاذنا الفاضل على ما قدمت…وفقك الله