Estimated reading time: 10 minute(s)
موسكو – أحمد فايز
إن الثقافة الروسية عميقة وعريقة ضاربة بجذورها في القدم وعمق التاريخ، وتشكل المتاحف كوكبة لامعة في سماء موروث جميع الشعوب، والروسي ليس استثناء منها، فهي الجسر الذي يعبره الزائر إلى الحضارة ويفوح منه عبق التاريخ، وهي رسالة الأقدمين إلينا في الحاضر والمستقبل، ففي كل مدينة أو بلدة روسية يوجد متحف أو أكثر يعرّف الزائر بالثقافة والفنون الروسية، ومن أهم المراكز الثقافية في موسكو “متحف جاليري تريتياكوف” الشجرة التي امتدت أغصانها لتعانق العاصمة وسط المدينة.
جاليري تريتياكوف في موسكو، هو متحف للفنون التشكيلية، ويُعد أحد أشهر المتاحف الفنية في العالم التي تعرض الفن الروسي الشامل من فنون زيتية وروائع البورتريه والأعمال التي لها أهمية تاريخية لاحتوائها على فنون الفلكلور الروسي الراسخة التي تبرهن على موهبة وقدرة إبداع الفنان الروسي خلال فترة مهمة من تاريخه، ويقع بوسط العاصمة موسكو في زقاق لافروشينسكي، يضم فى داخله 190 ألف لوحة لعمالقة الفن التشكيلي الروسي، بما فيها الأيقونات الروسية القديمة بداية من القرون الوسطى وحتى يومنا هذا، وضمن هؤلاء الفنانين التشكيليين: “إيليا ريبين، اندريه روبليوف، وفاسيلي سوريكوف ،وألكسندر إيفانوف، وكارل بريولوف، وأوريست كيبرينسكي، وإسحاق ليفيتان، وفالينتين سيروف، وميخائيل فروبيل.. وغيرهم”.
تأسس هذا المتحف عام 1856 من قبل التاجر الروسي وجامع التحف واللوحات الروسية بافيل تريتياكوف، الذي بذل جهودًا كبيرة من أجل تطوير المتحف ليكتسب ملامحه الحالية.
من هو بافيل تريتياكوف؟
تريتياكوف هو صاحب أكبر مصانع للقماش فى موسكو وفى مدينة كاستراما (تقع كاستراما بين نهر الفولغا ونهر كاستراما على بعد 350 كم شمال شرقي موسكو)، عند تجاوزه العشرين من عمره بدأ باقتناء أعمال فنية لمعاصريه، ومن ثم خلد أحد أفكاره فأسس متحف الفنون، وبدأ فى تجميع اللوحات الفنية الروسية فى منزله، وحول المنزل إلى واحدة من أهم القاعات التى يعرض فيها لوحات للفنانين الروس فقط، وهو الشيء الذي ميزه عن باقي جامعي اللوحات مثل: ماروزوف، وريبوشنكى، وبوتكن، الذين كانوا يجمعون لوحات لفناني العالم، وكان تريتياكوف يتمتع بعلاقات جيدة مع أغلب الفنانين، وكانت أول لوحة فنية اشتراها عام 8561، ولمدة 40 عاماً جمع ما يقرب من 2000 لوحة، وفي عام 1892 أهدى المبنى باللوحات لحكومة موسكو، وبعد عام تم افتتاح جاليري تريتياكوف رسميًا للزيارات العامة، وبدأ عرض بانوراما روسية فنية.
تطوير جاليري تريتياكوف:
في أبريل عام 1913 انتخب مجلس الدوما في موسكو إيغورغرابار الفنان التشكيلي والمهندس المعماري ومؤرخ الفن الروسي البارز راعياً لجاليري تريتياكوف، وفي عام 1926 تم تعيين أكاديمي الفن المعماري ألكسندر شوسيف مديراً لجاليري تريتياكوف وعمل شوسيف على توسيع قاعات المتحف وتزويدها بلوحات جديدة.
في منتصف ثمانينات القرن الماضي ازداد عدد زوار المتحف إلى حد كبير، وأصبحت قاعاته القديمة لا تتسع لكل من يرغب في الاطلاع على الفن الروسي القديم والمعاصر، واتخذ قرارًا بإنشاء مبنى جديد للمتحف، وتولى يوري كوروليوف مدير المتحف (في فترة 1980 – 1992) عملية إعادة بناء الجاليرى استغرقت 10 سنوات، ضمت إلى جانب عرض نماذج من الفن الحديث التي تلقي الضوء على تاريخ تطور هذا المنحى من الفن في روسيا بدءًا من ستينيات القرن الماضي وحتى يومنا الراهن، وهكذا تظهر أعمال جديدة مرتبطة بالوقت الحالي موزعة بين الرسم والنحت والتراكيب التصويرية، التي تمثل أحدث الاتجاهات الفنية وأكثرها متعة وتشويقًا.
أجواء ساحرة في القاعات الشهيرة ترحب بعشاق الفنون من كل حدب وصوب، حيث يواظب جاليري تريتياكوف على جذب جمهوره المحب بشتى المواضيع المختلفة التي تكسب ماضي وحاضر العاصمة الروسية نكهتها الفريدة الخاصة.
ويمكن لزائري المتحف الذين يقترب عددهم من مليون ونصف سنويًا، الاطلاع على قائمة كبيرة من الأعمال الفنية الروسية عبر العصور المختلفة فضلًا عن امتلاكه مخزونًا كبيرًا من مجموعته الدائمة التي يعرض منها بين الحين والآخر، لكبار الفنانين الروس بمختلف مدارسهم الفنية.
هذه السلسلة من المقالات عن السفر والسياحة في روسيا تحت نافذة”روسيا التي لا تعرفها” تنشرها صحيفة الأحساء اليوم، بالتعاون مع المرشد السياحي أحمد فايز، وهو مصري عربي روسي، يعيش في موسكو منذ أكثر من 25 عامًا، ويعمل هناك مرشدًا سياحيًا باللغة العربية؛ وتهدف إلى إثراء الحصيلة المعرفية للقارئ العربي ومساعدته على التعرّف على روسيا عن قرب.
التعليقات مغلقة.