على أعتاب سيّد الشهور

Estimated reading time: 8 minute(s)

كتب للأحساء اليوم: الشيخ عبدالناصر عبدالله البراهيم

ها هي نفوسنا تتطلع لاستقبال شهر الخير والبركة.. هذا الشهر الكريم الذي يطل علينا في كل عام محمّلاً بفيوض الرحمة ونسائم المغفرة وبشائر العتق من النار.

نحن مقبلون على موسم من مواسم الخير.. بل نحن مقبلون على الخير كله في رمضان.. الشهر الذي بشَّرَ بقدومه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله “أتاكم شهرُ رمضانَ، شهرٌ مبارَكٌ، فرض اللهُ عليكم صيامَه، تفتحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ، وتُغلَق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطينِ، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهرٍ ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ”.

شهرٌ يفوق على الشهور بليلةٍ

من ألْفِ شهرٍ فُضِّلت تفضيلا

طوبى لعبد صَحَّ فيه صيامُهُ

ودعا المهيمنَ بُكرةً وأصيلا

وبليلهِ قد قام يختم وِرْدَهُ

متبتلاً لإلهِهِ تبتيلا

 

رمضان نفحة من نفحات الله، التي طالما شدَّد النبي صلى الله عليه وسلم على أهمية التعرّض لها واستثمارها.. قال عليه الصلاة والسلام “افعلوا الخيرَ دهرَكم وتعرضوا لنفحاتِ رحمةِ اللهِ فإن للهِ نفحاتٍ من رحمتِه يصيبُ بها من يشاءُ من عبادِه”.

أيام قلائل وتهب علينا هذه النفحات، ويتفتق هذا الشهر الكريم عن فرص عظيمة؛ صيام وصلوات.. ابتهالات ودعوات.. ذكر وصدقات.. تلاوات وختمات.. إنها فرض ثمينة لا تُعَوَّض، فأين تجار الآخرة المستثمرون؟!

رمضان دورة عملية تدرب العبد المسلم على استثمار وقته واستغلاله أفضل استغلال.. قال النبي صلى الله عليه وسلم “نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ منَ النَّاسِ الصِّحَّةُ والفراغ” ذلك أن كثيرًا من الناس من يدخل عليهم رمضان ثم يغادر وكأنهم لم يعلموا بقدومه، فتضيع أوقاتهم بين نوم النهار ولهو الليل.. وقد قال بعض السلف “من علامة المَقت إضاعة الوقت”.

وحتى تستشعر أن رمضان نعمة ربانية عظمى، وهبة إلهية كبرى، كان للسابقين من سلف هذه الأمة معه شأن خاص، وحال تختلف عن حالهم في غيره من الشهور.. تأمل في سيرتهم.. قال معلّى بن الفضل عن حال السلف: “إنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ويدعونه ستةً أخرى أن يتقبله منهم”.. وقال يحيى بن كثير رحمه الله: كان من دعائهم (اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان وتسلمه مني فتقبله).. وقد ذُكِر أن عثمان بن عفان كان يختم القرآن في رمضان كلَّ يوم مرة، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر ليال.

قم في الدجى واتْلُ الكتاب ولا تَنَمْ

إلا كنومةِ حائرٍ ولهانِ

فلربما تأتي المنيّة بغتةً

فتُساقُ من فُرُشٍ إلى أكفانِ

يا حبذا عينان في غَسَقِ الدجى

من خشية الرحمن باكيتانِ

فالله ينزل كلَّ آخر ليلةٍ

لسمائه الدنيا بلا نكرانِ

فيقول هل من سائلٍ فأجيبَه

فأنا القريب أجيبُ من ناداني

 

هذا هو رمضان؛ موسم الاستثمار، وميدان التنافس، ومستودع الخيرات.. فإياك أن يفوتك الخير فيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أتاني جبريلُ، فقال: رغِم أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغفرْ له”.

{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}.

اللهم بلّغنا رمضان وبارك لنا فيه، وأعنا فيه على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وتقبل منا فيه أعمالنا الصالحة، واجعلنا فيه ممن صام وقام فغفرت له ما تقدم من ذنبه.

والله من وراء القصد

 

الشيخ عبدالناصر عبدالله البراهيم

مملكة البحرين

 

التعليقات مغلقة.