Estimated reading time: 12 minute(s)
موسكو – أحمد فايز
مقبرة نوفوديفيتشي الواقعة جنوب غربي العاصمة الروسية موسكو تعد واحدًا من أبرز المعالم السياحية المتعددة والمتنوعة، التي يمكن زيارتها خلال تواجدكم في موسكو، يطلق عليها مقبرة العظماء ربما تندهش عزيزي القارئ! لكن عند زيارتك إليها ستتأكد أنها ليست مجرد مقبرة عادية فهي تروي قصصًا مختلفة لعظماء ومشاهير وأدباء وقياصرة حطوا رحالهم الأخيرة فيها، وتحكي فصل من صفحات من التاريخ الروسي، تمتزج فيها الغرابة بالفن، والأدب بالمآسي، ويختلط فيها الحب والحرب، ورغم أن مقبرة نوفوديفيتشي ما هي إلا مثوى للراحلين، إلا أنها تزدان بمعالم الجمال حيث التماثيل المنحوتة بدقة متناهية، بعضها أقرب إلى التحف الفنية، وهي بالطبع تماثيل للشخصيات المدفونة تحت التراب، تجسد أعظم الأدباء والفنانين ورواد العلم والسياسة والاقتصاد وكذلك أبطال دافعوا وانتصروا، وحافظوا على وحدة أراضي روسيا عبر الزمن، قام بنحت هذه التماثيل فنانون مشهورون ومحترفون نحتوا تلك التماثيل من خامات الأحجار المختلفة كالجرانيت والرخام والبازلت والبرونز، وتعد مقبرة نوفوديفيتشي في موسكو من بين القبور العشرة الأكثر جمالًا والفريدة من نوعها في العالم، وهي مدرجة أيضًا في قائمة اليونسكو للتراث، وحاليًا مدفون فيها ما يزيد على 26000 شخص من عظماء روسيا.
متى بدأ تاريخ المقبرة:
بدأ إنشاء مقبرة نوفوديفيتشي أو مقبرة العظماء بموسكو في القرن الـ16، عندما تم تخصيص مكان لدفن راهبات على أراضي مجاورة تتبع “دير نوفوديفيتشي”، الذي بني في عام 1525، وأصبح فناء الدير يعرف باسم “مقبرة نوفوديفيتشي”، وكان يدفن فيها الشخصيات العامة كنوع من التكريم لهم عند مماتهم، كما دفن فيها بعض ممثلي العائلات الملكية مثل الأميرة صوفيا أليكسييفنا شقيقة الإمبراطور بطرس الأكبر، وزوجته الأولى يفيدوكيا لوبوخينا، وبنات القيصر أليكسي ميخائيلوفيتش، وبعضا من نساء من العائلات النبيلة، إضافة إلى كبار التجار، وذلك كان أمر متعارف عليه في تلك الفترة شأنه في ذلك شأن المقابر الملحقة بجميع الأديرة في عموم روسيا.
وبحلول منتصف القرن التاسع عشر لم تعد مقبرة نوفوديفيتشي مكانًا لدفن أصحاب الأسر الراقية فقط، ولكن باتت تتسع لنخبة موسكو والشخصيات العامة التي حققت نجاحات كبيرة في مختلف المجالات، من بينهم أبطال مثل الجنرال “دينيس دافيدوف” والذي اشتهر بشجاعته في مواجهة جيوش نابليون بونابرت، والمؤرخ بوجودين، والكاتب لاشنيكوف، والفيلسوف سولوفيوف.
ومع مرور الزمن لم يكن هناك مكان في مقبرة نوفوديفيتشي؛ لذلك في عام 1898 تقرر تخصيص قطعة أرض إضافية بالقرب من أسوار الجزء الجنوبي من الدير، وتم بناء جدران المقبرة ووضع علامات على الموقع، وكان الافتتاح الرسمي في عام 1904، تم دفن رفات الطبيب والكاتب المسرحي أنطون تشيخوف فيها في عام 1914.
خلال فترة الاتحاد السوفيتي:
عام 1922 كان حدثًا فارقًا في تاريخ المقبرة والدير، حيث قررت الحكومة السوفيتية إعلان المجمع المعماري لدير نوفوديفيتشي مع المقبرة متحفًا وأخذت تحت حماية الدولة الجديدة، ودفن فقط الأشخاص ذوو المكانة الاجتماعية من الكتاب والعسكريين والسياسيين والفنانين، وبمرور الزمن تم توسيع المقبرة إلى الجنوب من الدير عام 1949.
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي:
في عام 1991 تم الإعلان عن دير نوفوديفيتشي باعتباره أحد أهم الأماكن الخاصة للتراث الثقافي لشعوب روسيا، ثم أدراج الدير والمقبرة في قائمة الآثار المعمارية ذات الأهمية الفيدرالية في عام 1995، وفي عام 2004 أدرج الدير والمقبرة في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي والطبيعي.
من أهم الشخصيات المدفونة فيها:
(الرئيس السوفيتي السابق نيكيتا خروتشوف، الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن، أندريه جروميكو وزير خارجية الاتحاد السوفيتي، أنطون تشيخوف الكاتب المسرحي، نيقولاى جوجول من أكبر الروائيين المسرحيين، ميخائيل بولجاكوف روائي ومسرحي، ناديا اليلوييفا زوجة جوزيف ستالين، سيرجى اليوشن مصمم طائرات، فلاديمير ماياكوفسكي كاتب وشاعر، أندريه توبوليف مصمم طائرات، جالينا اولانوفا راقصة باليه روسية).
أهم وأجمل التماثيل:
(تمثال وقبر كلثوم عودة ذات الأصول العربية وأبرز مؤسسي مدرسة الاستشراق في روسيا، تمثال الممثل السوفييتي الراحل يوري نيكولين في مقبرة نوفوديفيتشي، تمثال وقبر رايسا غورباتشيفا زوجة آخر رؤساء الاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف، تمثال ومثوى الجنرال السوفييتي غوفوروف فلاديمير في مقبرة نوفوديفيتشي، تمثال ومثوى نيقولاى جوجول من أكبر الروائيين المسرحيين).
وهكذا تحول مكان الدفن إلى مزار سياحي في قائمة العديد من شركات السفر والسياحة في موسكو، في الواقع فإنه إضافة إلى قبور المشاهير، تمتلئ مقبرة نوفوديفيتشي بأعمال النحاتين والمهندسين المعماريين المشهورين صُنعت على الطراز الروسي الجديد.
هذه السلسلة من المقالات عن السفر والسياحة في روسيا تحت نافذة “روسيا التي لا تعرفها” تنشرها صحيفة الأحساء اليوم، بالتعاون مع المرشد السياحي أحمد فايز، وهو مصري عربي روسي، يعيش في موسكو منذ أكثر من 25 عامًا، ويعمل هناك مرشدًا سياحيًا باللغة العربية؛ وتهدف إلى إثراء الحصيلة المعرفية للقارئ العربي ومساعدته على التعرّف على روسيا عن قرب.

التعليقات مغلقة.