لغز القرن.. “غرفة العنبر المفقودة”!

Estimated reading time: 12 minute(s)

موسكو – أحمد فايز

غرفة من العنبر، يبلغ ارتفاع غرفة العنبر 7.8 متر، وتبلغ مساحتها نحو 100 متر مربع؛ أخذت الواجهات الثلاثة للجدران 6 طن من الكهرمان من (مدينة كونيغسبيرج) كالينينغراد حاليًا، بدأت قصتها عندما قدّمها الملك البروسي “فريدريك ويليام الأول” للإمبراطور “بطرس الأكبر” عام 1716م، هديةً دبلوماسية نتيجة التحالف الذي تم بينهم ضد مملكة السويد، وكانت رمزًا غير عادي للعلاقات بين روسيا ومملكة بروسيا (هو اسم كان يطلق على مقاطعة ألمانية 1525م– 1947م)، ولكن بسبب نقص عدة أجزاء لم يتم تركيب غرفة العنبر في عهد بطرس الأكبر، وبقيت الهدية البروسية في القصر في المخزن، لكنها كانت مصدر فخر لكل من الأباطرة الروس: بطرس الأكبر، وإليزابيث بتروفنا، وكاترينا الثانية، اختفت خلال الحرب الوطنية العظيمة (1941م-1945م)؛ أي بعد حوالي 200 عام من إهدائها، وجرت محاولات كثيرة للعثور على “غرفة العنبر” لم تنتهِ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان المحترفون المتميزون والناس العاديون يبحثون عنها، مات الكثيرون بسببها، لم يتمكنوا بعد من كشف هذا اللغز، تاريخها يكتنفه الغموض منذ البداية، فما سر اختفائها؟ وأين ذهبت؟ وهل هي موجودة حاليًا؟.. هذا ما سنعرفه في السطور التالية:

في عهد الإمبراطورة إليزافيتا بتروفنا (1741م- 1761م):

كلفت الإمبراطورة إليزافيتا بتروفنا ابنة بطرس الأكبر المهندس المعماري راستريللي بتثبيت الألواح الكهرمانية المخزنة في قصر الشتاء مقر إقامتها الرسمي، الذي استكمل التفاصيل المفقودة بأعمدة مرايا ولوحات جدارية، وفي عام 1745م، قدّم لها الملك فريدريك الثاني ملك بروسيا، لوحةً أخرى من العنبر، كانت صورها تمجد الإمبراطورة، ووضعت غرفة العنبر في قاعة الاستقبال الرسمية في قصر الشتاء، كل لوحة كهرمان فردية كانت عملًا فنيًا مستقلًا، وتحفة حقيقية من المجوهرات، تم تركيب قطع من الكهرمان بشكل لا تشوبه شائبة في ألواح الفسيفساء التي تصور زخارف نباتية، ومعاطف من الأسلحة، وحروف أحادية، لا يقتصر الأمر على الحجم والشكل فحسب، بل تم اختيار جميع درجات اللون الكهرماني من الأبيض اللبني إلى الأحمر الداكن بشكل متناغم في هذه الألواح، بحيث تحول كل منها إلى صورة رائعة للعنبر، وفى وقت لاحق من عام 1755م؛ بناءً على أوامر الإمبراطورة تم نقلها إلى القرية الملكية تسارسكو سيلو (مدينة بوشكين حاليًا).

في عهد الإمبراطورة كاترينا الثانية (1762م-1796م):

في عهد الإمبراطورة كاترينا الثانية في سبعينيات القرن الثامن عشر، تم الانتهاء من إنشاء الزخرفة الفريدة وكان الثوب الكهرماني موجودًا على ثلاث طبقات، على ثلاثة جدران من الغرفة؛ الطبقة الوسطى محجوزة لثمانية لوحات رأسية، أربعة منها تحتوي على تركيبات من الأحجار الملونة، صنعت عام 1752م في فلورنسا على يد أشهر الرسامين سيريس وزوتشي، تم إنشاء اللوحات باستخدام تقنية الفسيفساء الفلورنسية، والتي تصور رموزًا للحواس الخمس: البصر، والذوق، والسمع، واللمس، والشم، مع وضع أعمدة مرايا طويلة بينهما، وتثبيت الألواح الكهرمانية المستطيلة في الطبقة السفلى من الغرفة أيضًا، وتزيين غرفة العنبر بطاولة صغيرة من العنبر على ساق منحنية بأناقة.

في يوليو 1755م، اكتسبت غرفة العنبر شكلها النهائي في عام 1770م عندما قررت كاترينا الثانية إجراء تغييرات عليها فتم عمل ثمانية ألواح مسطحة من الطبقة الدنيا، وثمانية ألواح للأعمدة والعديد من التفاصيل الأخرى، واستهلكت 450 كيلوغرامًا من الكهرمان في أربع سنوات.

سر اختفاء غرفة العنبر:

خلال الحرب الوطنية العظمى(1941م-1945م) أخذ الغزاة النازيين غرفة العنبر إلى كونيغسبيرج، وظلت معروضة لسنوات عدة في إحدى قاعات متحف كونيجسبيرج، وعندما تراجعت القوات الألمانية، تم تفكيك الألواح الكهرمانية وإرسالها إلى مكان غير معروف.

محاولات استعادة غرفة العنبر:

استمرت محاولات روسيا لاستعادة غرفة العنبر منذ السبعينات، ففي يوليو 1979، اتخذ مجلس وزراء جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية قرارًا بإعادة إنشاء الألواح الكهرمانية، والتي بدأ العمل فيها في عام 1983 من قبل المهندس المعماري كيدرينسكي، في عام 1994، تم تركيب الألواح الكهرمانية الأولى للطبقة السفلية وطاولة الزاوية، وأعاد مرممو ورشة تسارسكوي سيلو العنبر.

وفي عام 2000 أعيد إلى روسيا الأدراج والمنضدة والفسيفساء الفلورنسية، والتي كانت جزءًا من الزخرفة الأصلية لغرفة العنبر، والتي تم اكتشافها في ألمانيا، ولهذا الغرض تم تخصيص 7.85 مليون دولار من الميزانية الروسية و3.5 مليون دولار أرسلتها شركة ألمانية، و6 أطنان من الكهرمان لإعادة إنشاء غرفة العنبر، وفي مايو 2003، تم افتتاح غرفة العنبر، في ذكرى الاحتفال بمرور 300 عام على مدينة سانت بطرسبرغ.

غرفة العنبر هي لؤلؤة قصر تسارسكوي سيلو مدينة بوشكين الحالية، وواحدة من أشهر التصميمات الداخلية التي تم إنشاؤها في القرن الثامن عشر.

هذه السلسلة من المقالات عن السفر والسياحة في روسيا تحت نافذة “روسيا التي لا تعرفها” تنشرها صحيفة الأحساء اليوم، بالتعاون مع المرشد السياحي أحمد فايز، وهو مصري عربي روسي، يعيش في موسكو منذ أكثر من 25 عامًا، ويعمل هناك مرشدًا سياحيًا باللغة العربية؛ وتهدف إلى إثراء الحصيلة المعرفية للقارئ العربي ومساعدته على التعرّف على روسيا عن قرب.

التعليقات مغلقة.