Estimated reading time: 13 minute(s)
موسكو – أحمد فايز
يسمّيه التاريخ بطرس الأكبر أو بطرس الأعظم أو بيتر الأول، حكم روسيا لمدة 30 سنة في بداية القرن الثامن عشر، وكانت هذه السنوات بداية العصر الذهبي للإمبراطورية الروسية، تحقّق خلالها التأسيس الفعلي لقوةٍ عالمية، من خلال بناء مؤسسات الدولة، وفرقها العسكرية، وأسطولها البحري، وتجارتها، وتطوير قوانينها، وعمرانها الذي ضاهى بجماله مدن أوروبا الغربية العريق.
عملاق رشيق:
يصف المؤرخون الذين عاصروا بطرس بأنه كان عملاقًا من الناحيتين البدنية والعقلية، فقد تجاوز طوله المترين، ومع ذلك وعلى الرغم من ضخامته الجسمانية فإنه كان خفيف الحركة رشيق الخطى، تميز كذلك بقدرته على العمل لأيام طوال ومن غير أن يصيبه الإرهاق، أو يضنيه التعب، إذ كانت تكفيه ساعات أربع من النوم ليعمل من بعدها 48 ساعة متصلة وبمنتهى اليقظة والدقة والنشاط.
مولده:
ولد الأمير بطرس في موسكو يوم التاسع من يونيو عام 1672، وهو نجل القيصر الروسي أليكسي رومانوف، الذي رحل عن الدنيا عندما كان بطرس في الرابعة من العمر فقط.
تولي العرش:
في عام 1682، تولى بطرس العرش مع شقيقه إيفان الخامس تحت وصاية شقيقتهما الكبيرة صوفيا حتى بلغا سن الرشد، وبعد وفاة إيفان، تولى بطرس العرش منفردًا عام 1696.
جولة في أنحاء أوروبا:
بين عامي 1697-1698 قام بطرس الأكبر بجولة في أنحاء أوروبا متنكرًا؛ كي يحصل على معرفة واسعة في مجالات الملاحة والمدفعية وبناء السفن، وبعد عشرين سنة من ذلك التاريخ ظهر على العالم بصفته أحد كبار الأباطرة.
إصلاحات وإنجازات:
أنشأ بطرس الأكبر مجلس الشيوخ والهيئات الرقابية، وأخضع الكنيسة للدولة، وأسس العاصمة الجديدة سان بطرسبرج عام 1703، ونقل العاصمة إليها لكي تصبح الإمبراطورية الروسية بدلًا من موسكو.
قام بطرس الأكبر بجملة من الإصلاحات؛ فالطرقات كانت معدومة وسيئة في روسيا؛ لذلك أمر بشق الطرقات وتحسينها، والمصانع كانت معدومة أيضًا فأمر بإنشائها من أجل تلبية الاحتياجات المدنية والعسكرية ولم يكن يتردد في جلب المهندسين والخبراء من أوروبا ودفع الأموال الباهظة لهم لكي يقدموا خبرتهم وخدمتهم إلى روسيا.
قام بطرس الأكبر بإصلاح نظام التعليم، ولكي يسرع في العملية قام بإرسال البعثات إلى الخارج، وكانت كل بعثة علمية تشمل 150 طالبًا روسيًا، والبعض كان يذهب إلى مصانع هولندا وجامعاتها، والبعض إلى مصانع إنجلترا وجامعاتها، والبعض إلى برلين لتعلم اللغة الألمانية، والبعض الآخر إلى مشارف آسيا والشرق الأوسط من أجل تعلم العربية.
أمر بطرس الأكبر بترجمة ألف كتاب علمي، وتكنولوجي، وتاريخي، وأعطى نصائحه في الترجمة إلى رئيس المشروع قائلًا: لا ينبغي أن تترجموا النص حرفيًا أي كلمة، كلمة، وإنما ينبغي أن تترجموا فحواه بشكل يصبح مفهومًا في لغتنا، بل وكأنه مكتوب بها مباشرة.
قام بطرس الأكبر بإصلاحات أخرى عندما فتح مستشفى عسكريًا في موسكو، وأضاف إليه مدرسة للجراحة وأشياء أخرى، ثم فتح الصيدليات في كل المدن الكبرى في البلاد. كما أن أول جريدة روسية ظهرت في عهده، وكذلك أول مسرح.
في عام 1700 قام بطرس الأكبر بتغيير جذري لنظام التقويم، وأمر ببدء تعداد التواريخ في السنة الأولى للقرن الثامن عشر ابتداءً من 1 يناير، وليس 1 سبتمبر كما كان يتبع روسيا قبل ذلك مبررًا هذا القرار بحجة تطبيق التقويم الموحد مع شعوب أوروبا الغربية.
حروب وانتصارات:
أعلن بطرس الأكبر عام 1695 الحرب على الدولة العثمانية، وكان هدفه منع اعتداءات تتار القرم، وكانت نتيجة المعركة الاستيلاء على ميناء آزوف، ومن ثم تحرير كل سهول حوض نهر الدون، وبذلك ضمن لروسيا مكانًا على البحر الأسود.
كما خاض بطرس الأكبر حربًا طويلة ضد السويد امتدت من عام 1700 إلى عام 1721 للسيطرة على ساحل البلطيق وتعرف باسم “حرب الشمال”، خرج منها منتصرًا وأصبحت بلاده أهم قوة أوروبية في الشرق، وسمح ذلك بإنجاز روسيا إحدى أهم مهماتها التاريخية الخاصة بالوصول إلى بحر البلطيق، فيما فقدت السويد وضع دولة عظمى إثر خسارتها مناطق الساحل الشرقي للبلطيق، وغالبية مناطق سيطرتها في ألمانيا، وبدءًا من عهده تحوّلت روسيا إلى قوة عظمى.
وبذلك وضع الأساس لـ”البحرية الروسية الإمبراطورية”، منهيًا السيادة السويدية في البلطيق وبادئًا توسع القيصرية لتصبح إمبراطورية أكبر بكثير ستكون قوة أوروبية عظمى.
وفاته:
في نوفمبر 1724 قفز بطرس الأكبر إلى نهر نيفا المتجمّد ليساعد في إنقاذ ملاحين على سفينة جانحة وظل يعمل طوال اليوم في مياه غمرته حتى خصره حتى أصيب جراء ذلك بحمى ثم بالتهاب مؤلم في المثانة، التي أخذ يعاني منه حتى ألزمته الفراش رافضًا الاستسلام وتوفي في 8 فبراير 1725 وكان عمره 53 عامًا.
وبعد رحيله ظلت روسيا القيصرية التي تركها بطرس الأعظم باقية كقوة أوروبية عظمى، متصدرة طيلة القرنين التاليين.
وهناك العديد من المعالم الأثرية والتماثيل لبطرس الأكبر في مدن مختلفة من روسيا: مثل موسكو، سانت بطرسبرغ، نيجني نوفغورود، فورونيج، تولا، أرخانجيلسك، سامارا، آزوف، كالينينغراد ماخاتشكالا، بتروزافودسك، أستراخان، كما يوجد نصب تذكاري في بولتافا ومدن أخرى، هناك الكثير من المعالم الأثرية لبطرس الأكبر في روسيا.
هذا، وتشهد روسيا الأسبوع الجاري فعاليات كثيرة مهرجانات وحفلات متعلقة بإحياء الذكرى الـ350 لميلاد الإمبراطور الروسي “بطرس الأكبر”.
هذه السلسلة من المقالات عن السفر والسياحة في روسيا تحت نافذة “روسيا التي لا تعرفها” تنشرها صحيفة الأحساء اليوم، بالتعاون مع المرشد السياحي أحمد فايز، وهو مصري عربي روسي، يعيش في موسكو منذ أكثر من 25 عامًا، ويعمل هناك مرشدًا سياحيًا باللغة العربية؛ وتهدف إلى إثراء الحصيلة المعرفية للقارئ العربي ومساعدته على التعرّف على روسيا عن قرب.
التعليقات مغلقة.