Estimated reading time: 13 minute(s)
موسكو – أحمد فايز
نهر الڤولجا هو الشريان الرئيسي للبلاد، ويزودها بموارد المياه، يطلق عليه الروس النهر العظيم وأحيانا “الأم الڤولجا”، فكم سكب الروس من الدمع، وكم سالت من الدماء حتى استطاعت قواربهم أن تجوب النهر طليقة دون خوف، في الإدراك المجازي لجوهر الشعب الروسي، يلعب الڤولجا دورًا استثنائيًا ومركزيًا، وهو جذر وجوهر الشعب الروسي بأكمله، والمثل الرمزي المثالي، فمياهه دائمًا متحركة، ويجب أن يتوافق الشخص الروسي المثالي مع صورة هذا النهر العظيم.
نهر الڤولجا أطول نهر في أوروبا يصل طوله 3,685 كم، وتتجاوز مساحة الأراضي التي يحتلها حوضه 1.380.000 كيلومتر مربع؛ ينبع من تلال فالداي في الشمال الغربي لموسكو، والتي يصل ارتفاعها إلى 225 مترًا فوق مستوى سطح البحر، ويصب في بحر قزوين، وتوجد فيه أكبر الخزانات المائية الموجودة في العالم، يتدفق نحو 250 كيلومتر مكعب من المياه إلى أسفل نهر الڤولجا، والذي يتم جمعه بواسطة 150 ألف نهر وجدول وينبوع، ينقسم مسار نهر الفولجا إلى ثلاثة أجزاء: الڤولجا العلوي، والأوسط، والسفلى.
نهر الفولجا له أهمية كبيرة في روسيا في الري، حيث يوجد الوادي الخصب للنهر، وتكمن أهميته أيضًا في النقل البحري والملاحة، وفي الاقتصاد، حيث يتم توليد طاقة كهربائية ناشئة من حركة جريان النهر، كما أنه يحتوي على كمية كبيرة من الأسماك، وتتوافر على الرواسب الجانبية للنهر العديد من المعادن والأملاح ذات المردود الاقتصادي العالي، كما أنه يعد واحدًا من أشهر الوجهات السياحية المعروفة في روسيا التي تجذب السكان المحليين والسياح على حد سواء، حيث تستغرق الرحلة في النهر عادة بضعة أيام وتتضمن بعض محطات توقف قصيرة في موانئ عدة على طول النهر.
أصل الاسم “الڤولجا”:
يعتقد أن أصل الاسم “ڤولجا” هو على الأرجح “من الكلمة البدائية السلافية التي تعني رطوبة – ڤولچ – رطوبة، نشأت من مفهوم الرطوبة (vologa، volgly، الرطب).
نهر الڤولجا تاريخيًا:
حدّد الموقع الجغرافي الڤولجا وروافده الكبيرة في القرن الثامن أهميته كطريق تجاري بين الشرق والغرب، على طول ضفتي النهر تدفّق سيل من الفضة العربية إلى الدول الاسكندنافية، وتم تصدير الأقمشة، والمعادن من الخلافة العربية، والعبيد والفراء والشمع والعسل من الأراضي السلافية، وفي القرنين التاسع والعاشر، لعبت قبائل الخزر والبلوغار في وسط الفولجا، والروس روستوف، سوزدال دورًا مهمًا في التجارة، ضعفت التجارة في القرن الحادي عشر، وفي القرن الثالث عشر قطع الغزو المغولي التتاري العلاقات الاقتصادية، باستثناء حوض الفولجا العلوي، حيث لعبت نوفغورود وتفير ومدن فلاديمير-سوزدال روس دورًا نشطًا.
في القرن الخامس عشر تم استعادة أهمية الطريق التجاري، وازدهرت مدن مثل: كازان ونيجني نوفغورود وأستراخان، وأدت المعارك التي خاضها القيصر إيفان الرهيب في منتصف القرن السادس عشر واستعادة المدن الروسية إلى توحيد نظام نهر الڤولجا بأكمله في أيدي روسيا؛ مما ساهم في ازدهار تجارة الفولجا في القرن السابع عشر.
في القرن الثامن عشر، انتقلت الطرق التجارية الرئيسية إلى الغرب، وتم تقييد التنمية الاقتصادية في الجزء السفلي من نهر الفولجا؛ بسبب ضعف السكان وغارات البدو، حيث كان حوض الڤولجا في القرنين السابع عشر والثامن عشر مجال العمل الرئيسي للفلاحين المتمردين والقوزاق.
خلال سنوات الاتحاد السوفيتى وازدهار التصنيع، ازدادت أهمية نهر الڤولجا فمنذ أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين بدأ استخدام الڤولجا أيضًا كمصدر للطاقة الكهرومائية، خلال الحرب الوطنية العظمى 1941-945، وقعت أكبر معركة في ستالينجراد على نهر الڤولجا، والتي احتفظت باسم المدينة باسم ڤولجوجراد، في فترة ما بعد الحرب ازداد الدور الاقتصادي لڤولجا بشكل كبير خاصة بعد إنشاء عدد من الخزانات الكبيرة ومحطات الطاقة الكهرومائي.
ڤولجا الممر المائي المركزي لروسيا:
يشتمل حوض الفولجا على مدن مثل: أستراخان وفولجوجراد وساراتوف وسامارا وأوليانوفسك ونيجني نوفغورود وياروسلافل، إيفانوفو، كوستروما، موسكو، سمولينسكايا، تفير، فلاديمير، كالوغا، أوريول، ريازان، فولوغدا، مناطق كيروف، وبنزا، وتامبوف، وتولا، وإقليم بيرم، وأدمورتيا، وماري إل، وموردوفيا، وتشوفاشيا، وتتارستان، وباشكورتوستان، وكالميكيا، وكومي، وأتيراو في كازاخستان.
يرتبط نهر الفولجا ببحر البلطيق الأبيض مع بحر آزوف والبحر الأسود عبر قنوات عديدة.
العالم الطبيعي للڤولجا:
تقع غابات كبيرة في حوض الڤولجا العلوي، في الوسط وجزئيًا في الڤولجا السفلى، تشغل مناطق كبيرة محاصيل الحبوب والمحاصيل الصناعية ويتم تطوير زراعة البطيخ والبستنة، وفي منطقة ڤولجا أورال يوجد رواسب غنية من النفط والغاز، أما بالقرب من سوليكامسك يوجد رواسب كبيرة من أملاح البوتاسيوم في منطقة ڤولجا السفلى.
وإذا تحدثنا عن الثروة السمكية فإن نهر الفولجا واحد من أغنى الأنهار من خلال تنوع الأسماك فهو يضم 76 نوعًا من الأسماك المختلفة و47 نوعًا فرعيًا من الأسماك، تأتي الأسماك إلى نهر الڤولجا من بحر قزوين: لامبري، بيلوغا؛ سمك الحفش، النجمية، سبايك، ثعلب أبيض، رنجة مهاجرة أو عادية، أسماك الكارب في الفولجا السفلى الشبوط، الكارب الذهبي والفضي، أسبيب، الدنيس الفضي، الجديجون، يعتبر بيلوغا من أكثر الأسماك الأسطورية في حوض قزوين.
نهر الڤولجا هو رمز للحرية والفضاء واتساع وعظمة روح الرجل الروسي.
هذه السلسلة من المقالات عن السفر والسياحة في روسيا تحت نافذة “روسيا التي لا تعرفها” تنشرها صحيفة الأحساء اليوم، بالتعاون مع المرشد السياحي أحمد فايز، وهو مصري عربي روسي، يعيش في موسكو منذ أكثر من 25 عامًا، ويعمل هناك مرشدًا سياحيًا باللغة العربية؛ وتهدف إلى إثراء الحصيلة المعرفية للقارئ العربي ومساعدته على التعرّف على روسيا عن قرب.
التعليقات مغلقة.