الروبل الروسي.. عملة تاريخية

Estimated reading time: 12 minute(s)

موسكو – أحمد فايز

الروبل هو العملة الرسمية المتداولة اليوم في كل من الاتحاد الروسي، وروسيا البيضاء، وأيضًا أوسيتيا الجنوبية، وأبخازيا، وقد كان الروبل مستخدمًا في الاتحاد السوفيتي سابقًا، وكذلك في روسيا القيصرية، ويعد الروبل من أقدم العملات الوطنية في العالم بعد الجنيه الإسترليني، ولا يزال الروبل هو العملة الرئيسية لبعض من رابطة الدول المستقلة.

عاش الروبل الروسي وعاصر أباطرة ورؤساء وزعماء حكموا إمبراطورية ضخمة امتدت حدودها من وسط آسيا إلى وسط أوروبا، وطُبعت عليه رموز تاريخ روسيا القديم والحديث، ولم يتغير اسم الروبل حتى يومنا هذا.

إذن فما هي قصة الروبل؟ ومن أين أتت كلمة روبل؟ ومتى تم استخدامه؟ هذا ما سنعرفه في السطور التالية:

تعود أصل تسمية الروبل إلى القرن الثالث عشر الميلادي؛ فكلمة الروبل مشتقة من الفعل الروسي “روبيت” وتعني اقطع، والمقصود هو تقطيع سبيكة فضية إلى عدة قطع بأحجام وأوزان واحدة، حيث كانت السبيكة الفضية تقطع إلى أربعة أقسام أو قسمين حسب الوزن المتفق عليه، كل قطعة طولها 20 سنتيمترًا، ووزنها 200 جرام، وأطلق على كل قسم اسم “روبل” أي مقطوع.

أول من أطلق كلمة روبل على قطعة العملة الفضية التي اتفق على أن تكون معيارًا للتبادل في سوق البيع والشراء بدلًا من المقايضة، هم أهالي إمارة نوفغورود التي تقع في شمال غرب موسكو.

في بداية الأمر تم استخدام المعدن المستورد المصهور من دراهم الدول العربية، وديناري بيزنطة وعملات خيرسون، إضافة إلى ذلك، كان هناك تدفق مكثف إلى حد ما من العملات الفضية من الأراضي الألمانية، واستمر تاريخ السبائك الأولى للروبل حتى نهاية القرن الرابع عشر.

في عام 1534، أطلقت الأميرة إيلينا جلينسكايا أول إصلاح نقدي جماعي لتطهير قطاع التجارة من العملات الأجنبية ومن مجموعة متنوعة من الأموال المحلية بألوان مختلفة، والتي يتم إصدارها في كل إمارة تقريبًا؛ كان الحل هو إنشاء نوع واحد من المال لجميع المناطق.

في عام 1654 وتحت رعاية القيصر أليكسي ميخائيلوفيتش رومانوف، ظهر الروبل على شكل نسر برأسين وفارس يحمل سيفًا على ظهر حصان، ثم قام الإمبراطور بطرس الأول بسك عملة فضية مع الإصلاح النقدي الذي قام به، ثم تغير شكل الروبل الفضي وتحول إلى عملة ورقية في عهد الإمبراطورة كاترينا الثانية، وتم إصدار النقود الورقية لأول مرة في روسيا عام 1771، واستمر تداولها مع قيام الإمبراطورية الروسية على مدى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

وبعد قيام الثورة الشيوعية في أكتوبر 1917، ظهر أول روبل سوفيتي في عام 1919، وطبعت صورة زعيم الثورة فلادمير لينين على العملة فئة عشرة روبلات، وبعد إعلان قيام اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية في عام 1921 شهد الروبل عدة إصلاحات مالية من أجل تقوية الاقتصاد الروسي في إطار النظام الاشتراكي ودور الدولة في الاقتصاد، وأصبح الروبل يعادل 0.987412 جرامًا من الذهب، ويعادل قيمة ألف روبل “قيصري” في زمن حكم القياصرة الروس، أما بالنسبة للدولار الأمريكي فقد كانت خمسة روبلات تعادل دولار واحد.

وبعد تفكك الإتحاد السوفيتي في نهاية 1991 وقيام “الإتحاد الروسي” صدر روبل جديد في 1993، ووقف التعامل بالروبل السوفييتي، لكن ظل الروبل السوفييتي العملة الرسمية في بعض الجمهوريات السوفيتية التي انشقت عن الإتحاد، مثل لاتفيا حتى عام 1993، وطاجيكستان حتى عام 2000.

وكما هو معتاد في دول العالم، أن تُطبع صور الحكام على النقود، ففي روسيا كانت صورهم تطبع على العملة المتداولة: الروبل أو الكويبك سواء من الورق أو المعدن، فالورقة المالية فئة 25 روبل طُبع عليها صورة الإمبراطور ألكسندر الثالث، والورقة فئة 50 روبل طُبع عليها صورة الإمبراطور نيقولاي الأول، والورقة فئة 100 روبل طُبع عليها صورة الإمبراطورة كاترينا الثانية، والـ 500 روبل عليها صورة الإمبراطور بطرس الأعظم.

اختلف شكل الروبل بين مرحلة سياسية وأخرى، لكن في كل الأحوال كان هناك حرص واضح على أن يعكس شكل الروبل وما عليه من صور حقيقة الوطن والهوية حسب الواقع القائم، وبحلول عام 1998، حملت أوراق الروبل الجديد صور المدن الروسية بدلًا من صور الحكام.

الأوراق المالية الروسية الحالية تحمل كل منها رسومًا ودلالات تعبر عن التاريخ الروسي ومراحله المختلفة، فورقة الـ 50 روبلًا ذات اللون الأزرق تحمل آثار مدينة سانت بطرسبرج (صورة لقلعة بطرس وبولس وكاتدرائية بطرس وبولس مع عمود روسترال)، أما ورقة الـ 100 روبل ذات اللونين والبني والأخضر فيوجد عليها آثار العاصمة الروسية موسكو (مسرح البولشوي)، وورقة الـ 500 روبل ذات اللون البنفسجي الأزرق عليها آثار مدينة أرخانجيلسك، بينما تجد آثار مدينة ياروسلافل ومدينة فلاديفوستوك على ورقة الـ 1000 روبل ذات اللون الأخضر والأزرق، أما ورقة الـ 5000 روبل الأعلى فئة فيوجد عليها آثار مدينة خاباروفسك ولونها أحمر برتقالي.

تغيرت الأحوال الاقتصادية وتغيرت أنظمة الحكم؛ ولكن بقى الروبل وعاش كواحد من أقدم العملات التي لها تاريخ وشاهد على تغيير العصور.

هذه السلسلة من المقالات عن السفر والسياحة في روسيا تحت نافذة “روسيا التي لا تعرفها” تنشرها صحيفة الأحساء اليوم، بالتعاون مع المرشد السياحي أحمد فايز، وهو مصري عربي روسي، يعيش في موسكو منذ أكثر من 25 عامًا، ويعمل هناك مرشدًا سياحيًا باللغة العربية؛ وتهدف إلى إثراء الحصيلة المعرفية للقارئ العربي ومساعدته على التعرّف على روسيا عن قرب.

التعليقات مغلقة.