Estimated reading time: 11 minute(s)
موسكو – أحمد فايز
يعد مسجد موسكو الكبير واحدًا من أهم معالم مدينة موسكو، وبات من أكبر مساجد أوروبا، فقد أعيد بناؤه وافتتاحه في يوم 23 سبتمبر عام 2015، بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس قيرغيستان وكازاخستان وغيرهم من الشخصيات الإسلامية والعربية المهمة، لكن قصته وتاريخه ترجع إلى عام 1902، حيث قرر بعض التجار التتار آن ذاك شراء قطعة أرض وسط موسكو لبناء ثاني مسجد بعد المسجد التاريخي. إذن فما هي قصته؟ هذا ما سنعرفه في السطور التالية:
متى وكيف بدأ؟
بدأ تاريخ المسجد الكبير في موسكو في عام 1902 عندما قدم التاجران باقيروف وعقبولاتوف طلبًا للسلطات في موسكو لشراء قطعة أرض لبناء مسجد (نفس مكان المسجد حاليا)، وفي العام التالي وافقت السلطات على مشروع بناء المسجد، وبعد شراء قطعة أرض بمبلغ 35 ألف روبل، وضع تصميم مبنى المسجد المهندس “نيقولاي جوكوف”، بالأسلوب البيزنطي، مع صالات تتسع لمائتي مصلٍّ، وفي عام 1904 توجه الإمام الأول للجامع الكبير “بدر الدين عاليموف” في موسكو بطلب إلى السلطات؛ كي تسمح له بفتح أبواب المسجد أمام المصلين، سُمي المسجد في بعض الأحيان “مسجد التتر” لأن مرتاديه كانوا في غالبيتهم من القومية التترية، ومن الناحية الاجتماعية، كان مسجد موسكو هو المسجد المركزي في روسيا، ولم يغلق أبوابه منذ افتتاحه حتى خلال العهد السوفييتي، واصل مهمته الدينية وظل مفتوحا أمام المصلين، وتحول المسجد الكبير إلى جزء من البروتوكول الرسمي للدولة في تلك الفترة، حيث قام بزيارته العديد من زعماء الدول الإسلامية الذين حلوا ضيوفا على العاصمة موسكو مثل: أحمد سكارنو أول رئيس لإندونيسيا بعد استقلالها،والرئيس جمال عبد الناصر، وكذلك العقيد معمر القذافى.
قرار إزالة للمبنى:
بين عامي 2009 – 2010 تصدع المبنى القديم إلى درجة أنه لم يعد ممكنا الصلاة فيه، حيث تجمعت المياه الجوفية تحت مبنى المسجد؛ نتيجة مرور أفرع نهر (نيجلينكي) تحت أرض المسجد، حينها تم اتخاذ القرار بإزالة المبنى القديم، وتشييد مبنى جديد يلبي كل المتطلبات، وفي مقدمتها القدرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من المسلمين، وعند ذلك تقدم السيناتور سليمان كريموف عضو مجلس الاتحاد الفيدرالي الروسي، وتبرع بمبلغ 100 مليون دولار لتمويل بناء مبنى جديد، إضافة إلى التبرعات والمنح من داخل روسيا وخارجها والتي وصلت إلى حوالى 170 مليون دولار، وبالفعل تم هدم البناء القديم للمسجد عام 2011 وبدأ بناء مبنى جديد، والذي تم افتتاحه رسميًا عام 2015.
وصف للمسجد الكبير:
يتكون مسجد موسكو الكبير من ستة طوابق، يبلغ ارتفاع قبته 46 مترًا، وعلو مآذنه 72 مترًا، اتسعت مساحة المسجد بمقدار عشرين ضعفًا، حيث كانت مساحته 980 مترا مربع، وأصبحت 19 ألف متر مربع، يتسع المبنى الجديد لعشرة آلاف مصلٍّ، ويمكن أن يستوعب بالأماكن المحيطة به عشرين ألفًا.
استُخدم في إكساء المسجد المرمر وحجر الملاكيت، واستعملت الألوان الزمردي والأخضر والأزرق والأبيض الذهبي والفيروزي على البناء والتي أعطت رونقا جميلا للمسجد، أما الرسوم على الجدران، فهي تقليدية في المساجد التترية وقد أنجزها يدويا خطاطون استدعوا خصيصًا من تركيا، وفي وسط هذا المسجد قبة مذهبة استوحى المصممون شكلها من شكل قباب موسكو الذهبية، وتم تزينها بآيات من القرآن الكريم، وطُليت باثني عشر كيلو جرامًا من الذهب، تزينها آيات من القرآن الكريم، تضيء المبنى أكثر من 320 نجفة جدارية أو في السقف مصنوعة من الكريستال، تزن النجفة الكريستال الرئيسية 1.5 طن، ويبلغ عرضها 4.3 متر، وارتفاعها 7.6 متر،بها 350 مصباحًا عملاقًا، صنعت في تركيا خلال ثلاثة أشهر، والمسجد مزود بسبعة مصاعد كهربائية، وبمكيفات للهواء، وأجهزة لذوي الاحتياجات الخاصة، دق أسفل المبنى 131 عمودًا خرسانيًا لتدعيم أساساته نظرا لقربه من محطة مترو الأنفاق، ووجود مياه نهر نيجلينكا تحت أرض المسجد.
متحف المسجد الكبير:
كذلك يضم المسجد بين رحابه متحفًا يشتمل على لوحات ونسخ تاريخية من القرآن الكريم مكتوبة بخط اليد، وقطعة من كسوة الكعبة، ومجسم صغير للمسجد، إضافة إلى نسخة من إحدى صحف القرآن المكتوبة بالفضة وتعود للقرن الثامن، معروضة في صناديق عرض زجاجية في الدور الثاني.
نشاط المسجد الكبير:
هذا المسجد حاليًا هو المقر الرئيسي لمفتي روسيا سماحة الشيخ راوي عين الدين رئيس مجلس شورى المفتين لروسيا، وأصبح من أكبر المساجد في قارة أوروبا، وهو أيضًا مركز ثقافي وعلمي لتدريس العلوم الإسلامية والتربوية، كذلك يفتح المسجد أبوابه لغير المسلمين لتعلم الدين الإسلامي وتنظيم عقود الزواج وفق الأحكام الشرعية والحصول على فتاوى بأمور دينهم وحياتهم، كما يحتوي على مطعم لتقديم الطعام الحلال.
هذه السلسلة من المقالات عن السفر والسياحة في روسيا تحت نافذة “روسيا التي لا تعرفها” تنشرها صحيفة الأحساء اليوم، بالتعاون مع المرشد السياحي أحمد فايز، وهو مصري عربي روسي، يعيش في موسكو منذ أكثر من 25 عامًا، ويعمل هناك مرشدًا سياحيًا باللغة العربية؛ وتهدف إلى إثراء الحصيلة المعرفية للقارئ العربي ومساعدته على التعرّف على روسيا عن قرب.
التعليقات مغلقة.