Estimated reading time: 6 minute(s)
كتب لـ”الأحساء اليوم” – عبدالله بن أحمد الملحم
نُبتلى بوجود من نحب كما نُبتلى بفقدهم، وننسى أن هناك من يحبهم أكثر منا، وأنه رؤوف رحيم إذا أحب أحدنا ابتلاه فغفر ذنبه، ورفع درجته، واختاره إلى جواره، بعض الذين نحبهم تُشفق علينا أقدارهم، كما كانوا يشفقون علينا، فإذا دنت ساعة أجلهم لا تفجعنا برحيلهم بغتة، وإنما تستبقيهم بعض الوقت، ليمتد الوداع زمنًا أطول، لنتهيأ لصدمة فراقهم، وألم رحيلهم، صراع مخاوفنا عليهم تتقاطع فيه لحظات الشعور بالفراق مع نوازع أمل البقاء، فنختار الأحب إلينا وليس الأحب لمن استبقاهم لنتملى منهم قبل أن تتخطفهم يد المنون، حيث يستعيد المولى أمانته، نجزع، نحزن، تُغالبنا دموعنا، نضيق ذرعًا لفراقهم، فتذكرنا أقدارهم: أليس الذي خلق أرحم بمن خلق؟!
رحم الله عمتي الحبيبة الغالية: الجوهرة بنت عبدالعزيز العبداللطيف آل ملحم، التي غادرتنا إلى الرفيق الأعلى يوم الأربعاء 9 ربيع الأول 1444هـ، بعد أن ابتليت بالداء العضال الذي يأخذ الحبيب من حبيبه، نال من صحتها وما نال من قوة إيمانها وروحها المتعلقة برحمة الله، بعد أن تمكن المرض منها، صرت أتحين الوقت لعيادتها فإذا أثقلت الأوجاع عليها احتجبت عن الزوار، فأبعث لها برسائلي الصوتية فتستمع إليها، فإذا استعادت بعض عافيتها أجابتني فتسرني نبرة صوتها التي توحي لي بتحسن حالتها الصحية، وما ثم تحسن إنما تصبر ذات الإيمان ورضاها بما كتب الله عليها، عانت رحمها الله وكابدت وتصبرت فلم يمهلها المرض طويلًا، تخطفتها يد المنون ونحن في شوق إليها، رحلت وأنا أرجو أن أحظى بزيارتها دقائق معدودة، رحلت وأذناي ولهى لحلو كلماتها، وعذب حديثها، وابتسامتها الأجمل، ذات مساء زرتها فألفيتها محتسبة صابرة، تتحمد الله على ما أصابها وكأنها تشكره على نعماء أصابتها، كانت تتكتم على آلامها، تداري أوجاعها، وهي تذبل كشجرة يتناقص الماء عنها، فترينا جلدًا يدخل السرور علينا، لئلا نتألم لألمها، ولنخرج من عندها مسرورين كما تحب أن ترانا، إذا تلقيتُ رسالة صوتية منها ألفيتها تتحدث برباطة جأش، لتوحي لي أنها بخير وليس ثمة ما يدعو للقلق، وفي غمرة ما هي فيه لا تنسى أن تسألني بحرص واهتمام عن والدتي وإخوتي وجميع أفراد أسرتي وتحملني إليهم أجمل التحايا وأعذب الكلمات فأُسمعها ما يسرها عنهم، وفي كل مرة لا تنسى الترحم على أبي شقيقها الذي ما نسيت ذكره قط.
حين أستعيد شريط ذكرياتي لأكثر من أربعين عامًا منذ وعيت على وجودها لا أتذكر منها إلا أجمل الصفات وكريم الخصال، كانت بحق جوهرة كاسمها، وأكاد أجزم أنها نادرة المثال في نساء جيلها، هي جنس نادر من البشر الذين إذا استُعرِضت أعمالهم ترجحت بأجمل المزايا وأنبل الصفات، اللهم كما رجحت موازينها في الدنيا لدى ذويها وعارفيها رجح موازينها في الآخرة بأحب أعمالها إليك وأثقلها عندك، مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.
التعليقات مغلقة.