يوم الوحدة الوطنية للشعب الروسي

Estimated reading time: 12 minute(s)

موسكو – أحمد فايز

يحتفل الشعب الروسي، فى الرابع من نوفمبر كل عام، بيوم “الوحدة الوطنية للشعب”، حيث تشهد عموم المدن الروسية احتفالات وفعاليات ثقافية وترفيهية متنوعة، وتمتد الاحتفالات هذا العام حتى يوم 6 نوفمبر، ويعود تاريخ الاحتفال إلى عام 2005 عندما تقرر أن يكون يوم الرابع من نوفمبر إجازة رسمية يُحتفل به تكريمًا لذكرى الانتفاضة الشعبية، التي طُرد على إثرها الغزاة البولنديون من موسكو،حينما أنهت الانتفاضة الشعبية الروسية بقيادة كل من: التاجر “كوزما مينين” والأمير” دميتري بوجارسكي” الاحتلال البولندي الليتواني فى الرابع من نوفمبرعام 1612، وبعد مرور قرنين من الزمن أقام الروس نصبًا تذكاريًا للبطلين في قلب الساحة الحمراء عام 1818، فما هي القصة؟ ذلك ما سنتعرض له فى السطور التالية:

الفترة المظلمة في التاريخ الروسي

بدأت فى القرن السابع عشر ما يعرف فى التاريخ الروسي بالفترة المظلمة من عام 1584 وحتى عام 1612، والتى شهدت الفواجع والاجتياح البولندي- السويدي لروسيا مع ظهورأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية بعد وفاة القيصر إيفان الرابع) الرهيب(وتولى ابنه “فيودور” الحكم، وكان حاكمًا ضعيفًا ومريضًا توفي دون أن يكون لديه وريث للعرش، وبوفاته انتهت فترة حكم سلالة “ريوريك” والتي حكمت روسيا على مدى 700عام، وتسلّم السلطة شقيق زوجة القيصر إيفان الرابع (الرهيب) القيصر “بوريس جودونوف”، وقد اتهمه الكثيرون من أصحاب النفوذ بأنه من خطط لقتل الأمير “دميتري” الابن الأصغر “لإيفان الرهيب” والوريث الوحيد للعرش، وبدأ صراع ونزاع على الحكم واشتعلت حرب أهلية وانتفاضات شعبية وظهر محتالون ادعوا أن لهم الحق الشرعي في تولي الحكم، فاستغل البولنديون هذا الأمر وأعلنوا الحرب على روسيا بحجة إعادة السلطة إلى صاحبها الشرعي، الذي قالوا عنه إنه نجا بإعجوبة من عملية القتل، واحتل البولنديون موسكو وسمولينسك ومدنًا روسية أخرى في الغرب، واستولى السويديون على كامل ساحل خليج فنلندا ونوفغورود، وانتشرت أعمال النهب والجريمة المنظمة في البلاد، وأصبحت الدولة الروسية المركزية الفتية على شفا كارثة وطنية، ولمدة عامين كانت العاصمة موسكو في أيدي الأجانب، وتعرضت البلاد لدمار رهيب.

في هذه اللحظة الصعبة للبلاد، لعب رجال الدين الروس دورًا كبيرًا، بدأ الرهبان في دعوة الشعب الروسي للانضمام إلى حركة ناشئة للمقاومة الشعبية من أجل طرد أعداء الأرض الروسية، وقام العديد من الكهنة بجولة في البلدات والقرى، مطالبين الشعب بتحرير البلاد، كما أرسل كبير القساوسة فى روسيا البطريرك “هيرموجين” مناشدات ورسائل مماثلة لطبقة النبلاء، وانتهى المطاف بإحدى رسائل البطريرك في يد التاجر “كوزما مينين” في مدينة نيجني نوفغورود، والذي كان شخصًا وذكيًا وحيويًا، والأهم من ذلك أنه كان وطنيًا، فشرع على الفور في العمل، وبدأ في جمع التبرعات، موضحًا للناس أين ستذهب أموالهم؛ ليصبح عمليًا المدير المالي للمقاومة الشعبية، وتم إختيار الأمير “دميتري بوجارسكي” قائدًا للحركة، والذي ينتمي إلى أحفاد روريك، والذي شغل دائمًا مناصب عليا فى الدولة، وكان لديه خبرة في إدارة العديد من العمليات العسكرية بنجاح، وكانت له سمعة طيبة.

لعبا هذان الشخصان دورًا مركزيًا في تحرير البلاد من الغزاة الأجانب، واستطاع الاثنان معًا أن يجمعوا الشعب تحت راية واحدة وقيادة واحدة وهدف واحد، هو طرد المحتلين الأجانب، حيث انضمت العديد من المدن والقرى المحلية إلى حركة المقاومة الشعبية، وبحسب الرواية الرسمية، اقتحم جنود حركة المقاومة الشعبية بقيادة كوزما مينين ودميتري بوجارسكي أسوار العاصمة موسكو، واستطاعوا إخراج المحتليين وأظهروا مثالاً للبطولة والتضامن مع الشعب بأكمله في” 4 نوفمبر 1612.

وصف النصب التذكاري

وبرغم مرور السنين وتغير الأحداث والأشخاص ظلت ذكرى هذا اليوم حية عزيزة في أذهان الروس، لدرجة أنه وبعد مرور قرنين من الزمان وبمناسبة الانتصارعلى جيش “نابليون بونابرت عام “1812، أقام الروس نصبًا تذكاريًا للبطلين “منين وبوجارسكي” في الساحة الحمراء، وكان أول نصب تذكاري في العاصمة، لم يتم بناؤه تكريمًا للإمبراطور، ولكن للامتنان لأبطال الشعب، أنشأه النحات الروسي “إيفان مارتوس”، وظل النصب التذكارى للبطلين رمزًا لاتحاد القوى الشعبية والوطنية حتى يومنا هذا.

الشخصية الرئيسية للنصب التذكاري هي شخصية مينين- تشير يده المرفوعة إلى بوجارسكي والشعب الروسي بأكمله إلى موسكو، داعيًا إلى حمايتها من المعتدى الأجنبي، تم تصوير بوجارسكي جالسًا، في إحدى يديه درع عليه صورة المخلّص، ومن ناحية أخرى على سيف مده كوزما مينين، يوحد السيف شخصيات البطلين ويؤكد وحدتهما ويعرب عن استعدادهما لقيادة القوى الشعبية والوطنية لمحاربة المستعمرين.

في عام 1818، افتتح النصب التذكاري فى احتفال كبير بحضور الإمبراطور ألكسندر الأول وزوجته الإمبراطورة إليزافيتا ألكسيفنا وعدد كبير من سكان موسكو ووضع فى وسط الميدان الأحمر، وفي عام 1930 اعتبر النصب التذكاري عقبة أمام المظاهرات الاحتفالية فنقل بالقرب من كاتدرائية القديس فاسيلى، حيث لا يزال قائمًا حتى اليوم، رمزًا ليوم “الوحدة الوطنية للشعب”، والذي يذكرنا عبر القرون بأن أي عدو لا حول له ولا قوة أمام قوة الشعب ووحدته.

هذه السلسلة من المقالات عن السفر والسياحة في روسيا تحت نافذة “روسيا التي لا تعرفها” تنشرها صحيفة الأحساء اليوم، بالتعاون مع المرشد السياحي أحمد فايز، وهو مصري عربي روسي، يعيش في موسكو منذ أكثر من 25 عامًا، ويعمل هناك مرشدًا سياحيًا باللغة العربية؛ وتهدف إلى إثراء الحصيلة المعرفية للقارئ العربي ومساعدته على التعرّف على روسيا عن قرب.

التعليقات مغلقة.