عامٌ في مستشفى صحة الافتراضي

Estimated reading time: 10 minute(s)

كتب لـ”الأحساء اليوم” – سلمان المعيوف

لا أتصور أن إنسانًا يطيب له المقام في المستشفى ولو لأيام قلائل، إلا إن كان مضطرًّا أو مغلوبًا على أمره أو فاقدًا قواه العقلية، فكيف لو طال به المقام أسابيع أو شهورًا أو سنوات بعيدًا عن أهله وذويه؟! من المؤكد أن حجم مأساته ستكبر وستتضاعف، وسيظل مترقبًا لحظة مغادرته المستشفى وعودته إلى أحبائه مشتاقًا كحال أغلب المرضى -عافانا الله وإياهم-.

هذا هو المشهد الاعتيادي. ولكن، أن تتوثق علاقة الإنسان بالمستشفى ويمتد مكوثه فيه لدرجة يصعب عليه مفارقته رغم عدم حاجته إلى أي علاج أو وجود ما يُحتم عليه البقاء فيه، فهذا ما لم نعتده قط. والأعجب من كل ذلك هو ادعاؤه أنه ليس مسلوب الإرادة أو العقل.. كحال كاتب هذه السطور!

ما ذكرته ليس من نسج الخيال، بل هو واقعٌ عشته وما زلت أعيشه وأُعايشه. لقد بلغت علاقتي بمستشفى صحة الافتراضي إلى درجة أمست كثيرًا ما تُؤرقني وتسلبني الراحة والسكون، مع أن وجودي فيه هو للعمل وليس للعلاج والاستشفاء، لكن علاقتي به تجاوزت بمراحل ما يربط المرضى بمستشفياتهم، وما يربط الموظفين بمقرّات عملهم ومهامهم الوظيفية.

بدأت قصة لقائي الأول بالمستشفى مطلع العام الماضي 2022م، حينما شرفت بالانضمام إلى إدارة التواصل التابعة له، وما إن لمحته من بعيد بنظرتي الأولى حتى أثار إعجابي، وأحدث فعلته في أعماق أعماقي، وسرعان ما توطدت علاقتي به بعدما اقتربت منه وخالطته، وما برحت هذه العلاقة تتعاظم في نفسي كلما شهدت منجزًا من منجزاته أو تعمقت في مفهومه أكثر.

هو مستشفى كما تصورتم، ولكنه ليس كأي مستشفى؛ فهو وإن ضم استشاريين متخصصين في عدة تخصصات دقيقة ونادرة (مثل: السكتات الدماغية، والأورام، وأمراض القلب، إلخ) كغيره من المستشفيات التخصصية، إلا أنه امتاز عليها بأنه مستشفى افتراضي، لا وجودًا جسديًّا للمرضى في عياداته؛ لأنه استطاع وببراعة تسخير أحدث التقنيات المتاحة لتقديم أفضل الخدمات الطبية للمرضى أينما كانوا في شتى مدن المملكة ومحافظاتها.

لحظة، لحظة. لا تتعجلوا، ولا تظنوا أن هذا هو سر علاقتي الوثيقة بالمستشفى، لا أبدًا.. لديّ سر عميق ما زال حبيس صدري، ولم أبح به حتى الآن، سرّ لم ينكشف لي من النظرة الأولى ولا من النظرات التي لحقتها؛ لأنه غير ظاهر للعيان، ويحتاج إلى احتكاك مباشر ومعايشة دائمة حتى يُكتشف أمره ويتجلى للناظرين.

لعلكم تخمنون الآن.. اطمئنوا سوف أُفصح لكم، ولن أترككم طويلًا في متاهات التخمين..

ما أعنيه، تميّز هذا المستشفى بالعلاقات الإنسانية الرفيعة بين منسوبيه على اختلاف مناصبهم وفئاتهم وتخصصاتهم، فهذا هو السر الأعظم الذي جعلني لا أتمالك نفسي وأضطر للخضوع له والاستسلام لهواه، وهو جانب أساسي ومحوري بالنسبة إليّ؛ لأني أُولي الجوانب الإنسانية أهمية كبرى، ولا أحبذ تجاهلها أو التغافل عنها وإن كان بذريعة (مصلحة العمل) كما تفعل جهات عديدة.

أجل، في مستشفى صحة الافتراضي تلتقي القلوب، وتتصافح الأفكار، وتتضافر الجهود، وترتقي الخبرات، وتسود القيم، وتسمو المشاعر الإنسانية، وكل ذلك يحدث في تمازج عجيب وانسجام أعجب؛ ينتج عنه معزوفات جميلة تبرز للحياة جمالها وتناغم إيقاعها. كيف لا وهذا المكان احتضن بعض الأرواح الإنسانية ثم جعلها تنصهر وتتحد لتحقق غاياتها معًا.

ربما يتساءل بعضكم: هل ما ذكرته وقائع أم مجرد أمنيات وأحلام وردية صنعتها في دماغي ثم ظهرت في كلماتي؟!

لن أستميت في الدفاع عما ذكرت، ويكفي أن أقول لكم إن هذا شيءٌ من بعض ما أشعر به في الوقت الراهن، وهو ينبع بصدق من صميم وجداني، ولن أُشغل نفسي بإثبات واقعيته والتدليل عليه؛ لأن التعمق في التفكير الفلسفي والتحليل المنطقي يُفسد علاقة المحب بمحبوبه.

لا أريد –قطعًا- بعباراتي هذه الفرار أو التهرب من الإجابة، ولا الإيحاء بعدم مواجهة العاملين في المستشفى لأي صعوبات أو تحديات، فما من مستشفى إلا ويضج بصعوباته، ولكن مواجهتها هي أبرز ما يميز مستشفى صحة الافتراضي، رغم ما يشوب ذلك أحيانًا من شد وجذب ولوم وعتاب، ولكن كل ذلك لحظي ومؤقت ويزول سريعًا بعد تجاوز العقبات أو الانتهاء منها، والعبرة في الأمور بخواتيمها.. وهنا تكمن العظمة وسر التميز.

ختامًا؛ فخور جدًّا بأني كنت جزءًا من مشروع وطني بهذا الحجم والأهمية، وأشعر بالامتنان لكل القيادات والزملاء والزميلات، وأخص بالذكر فريق إدارة التواصل الذين خضت معهم هذه التجربة التي أضافت لي الشيء الكثير. أوجه لهم جميعًا ثلاث كلمات، ويجب عليهم أن يتقبلوها أو ينتقوا واحدة منها على الأقل:

شكرًا..

ثم شكرًا..

ثم شكرًا..

لأنكم صنعتم عامي الماضي، فبكم صار أجمل، ومعكم بات أفضل، ومن خلالكم سيزداد روعةً وتألقًا.

 

تحياتي..

سلمان المعيوف

التعليقات مغلقة.